الإسكافي...مهنة لا تجلب المال والشهرة.. لكنها تجلب الوقار
في رأس كل درب وحارة نجدهم مقرفصين، ينهالون بمطارقهم الرفيعة على أحذية تقاوم عفن الأيام، وتستغيث من قساوة الاسفلت وحيطانه، وبرودة الأنفس وثقل هواجسها
... يتربصون بنا في جميع الزوايا البئيسة، فنقدم لهم ابتسامات لن تكون أشد مكرا من مكر الزمن اللئيم، وقد تسربلوا بملابس رثة تتناثر فوقها بقع سوداء وأخرى عديمة اللون.
الإسكافي أو الخراز بالرغم من قدم مهنته وأصالتها وانخراطها المباشر في دائرة المهن التقليدية الواجب الإهتمام بها
.. فإن كل هذا المجد التاريخي والمهني لم يجلب لصاحبه إلا بؤسا متواصلا وتقهقرا مطردا نحو أدنى درجات السلم الإجتماعي. إذ تعود مهنة الخرازة إلى عهد الإنسان الأول الذي أرعبته قساوة الطبيعة ففكر في الإفتعال لحماية الجسد من نتوءات الصخور ورطوبة المياه.. فكان النعل وكان الإسكافي الذي يصنع النعل ويعالج ما قد يلم به من عوارض، واستمر الإنسان في تحديه للطبيعة مخترعا بذلك صنوفا لا محصية من الأحذية المدنية والعسكرية، الذكورية والأنثوية، الصغيرة والكبيرة، الفاحشة الثراء والبئيسة الشكل واللون
...أحذية شتى انتقلت من بساطة فجة إلى تعقيد بالغ يساير آخر صيحات الموضة المجنونة. لكن أين إسكافيونا من كل هذا؟ لقد ظلوا كما العادة في الظل ينتظرون حذاء وصندلا لإدخاله إلى المعمل الصغير ليقدموه لنا في الأخير سليما معافى، فنجود عليهم بدريهمات معدودة لا تغني ولا تسمن من جوع
. نادرا ما يختلف معك إسكافي في الثمن، فهم جميعا طيبون ومسالمون وقليلا ما يغضبون، فغضبهم وحقدهم على هذا الواقع القاسي يدفنونه في دق المسامير وانتشاء الكولا كرها وقهرا
... تعالت في جميع الآفاق صيحات التغيير.. ومازال الإسكافي قابعا في مكانه يرد على تحايا المارة، وينتظر عاثر حظ خانه سباطه ففتح فاه في ساعة عمل رسمية، أو شابة مهرولة فقدت كعبها العالي جدا ... لسبب من الأسباب، أو أحدهم ممن ضاقت به السبل مثلي فلم يجد إلى شراء حذاء جديد سبيلا فقرر أن يثقل كاهل حذائه المثقوب بكيلوغرامات أخرى من مسمار العشرة