العساس أمامنا كشخص حكم عليه هو الآخر من طرف زمن الرداءة .. بأن يمكث في الظل يقاوم غربة الليل ووحشته.. يتوجس خيفة من لص متهور أو حريق محتمل أو طارىء .. أغلب الحراس.. بل جميعهم.. على ما أظن يحرصون الغالي والنفيس . بعضهم يحرص سيارة فخمة يمكن أن تمحو علامات الفقر من حياته . والآخر يحرس فيلا فاخرة يمكن أن تقضي على فقر جده الثامن عشر . وآخر يحرس مخازن ومحلات تحوي ما يهزم الفقر في القارة السمراء... ومع ذلك نجد العساس في مطلق الأحوال يفرك يديه الباردتين أمام نار موقدة تبعد عنه صقيع الليالي المشؤومة . وبجانبه زرواطة .. مسكين يخاف على كل شيء ليس له.. فقط لأن رزقه وحياته منه...
هم أشرف الشرفاء يؤمنون بأن الأمانة التي حملوها تستحق كثيرا من العمل والحرص والحذر.. فالعيون لا تنام والحواس كلها في حالة استنفار دائمة حفاظا على ممتلكات الغير.
مهنة الحراسة قدرها ليس فقط الإكتواء بقسواة البرد.. ولكن أيضا بوحشة الليل وسواده المفزع ...
عساس السيارات مثلا يكتشفون عورة المدينة ويفتضون أسرارها مع مقدم كل ليل جديد.. ترتفع فيه شهوانية الواقع لينفضح عريه من غير رتوش ولا أقنعة .. وعساس الفيلات الأكثر غربة يرافقهم في رحلتهم المأساوية نباح الكلاب المحظوظة والقطط الميسورة المتخمة بالأكلات الجاهزة والسريعة وصيحات الموضة الأخيرة في زمن العولمة ...
حينئذ تنكشف حقيقة مغرب آخر بفحشه وغناه العاهر.. مغرب بعيد عنا يوضح للعساس التائه حقيقته في وطن ليس له.. فيصر على الطواف في ليل الحقيقة لكشف أصل الريبة في منأى عن زيف النهار القاتل... وبذلك تتواصل فصول مأساة أخرى تدور أحداثها في ظل الظل... فتحية لرفيق الليل الأخ المحترم العساس ...