الرباط - حسمت المحكمة الابتدائية بمدينة "القصر الكبير" مساء الإثنين 10-12-2007 الجدل الدائر بالمغرب حول حفل الشواذ الذي أقيم مؤخرًا في المدينة بإدانة 6 أشخاص ثبت تورطهم في هذا الحفل، وعقابهم بالسجن لمدة تتراوح من 4 أشهر إلى 10 مع إيقاف التنفيذ.
وقضت المحكمة الابتدائية على المسمى فؤاد فريرط بعشرة أشهر و1000 درهم إثر إدانته بجنحة "الانحراف الجنسي والمتاجرة في الخمور بغير ترخيص"، فيما برَّأته من تهمة المس بالأخلاق العامة.
وأدانت المحكمة كذلك كلا من عليّ عبد اللطيف "د"، ومحمد "غ" بستة أشهر موقوفة التننفيذ وغرامة مالية تقدر بـ1000 درهم، فيما خففت الحكم على كل من محمد "هـ" ومحمد "ل" بأربعة أشهر سجنًا بعلَّة المشاركة في الفعل.
وترافع عن المتهمين 3 محامين من الرباط بعد تراجع محامي القصر الكبير بشكل جماعي عن الدفاع؛ لحساسية الموضوع بعد مسيرات شعبية حاشدة منددة بالسلوك الشاذ في المدينة ذات الطبيعة المحافظة.
الحكم ملائم
واعتبر المحامي مصطفى الرميد رئيس فريق حزب العدالة والتنمية بالبرلمان أن الحكم الصادر "ملائم للواقعة وينبني على متابعة النيابة العامة وتحرياتها في بحث موضوع يخالف الآداب العامة للمجتمع المغربي في شكل شذوذ".
ويعاقب القانون الجنائي المغربي في المادة 489 على جريمة الشذوذ بالسجن ما بين 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 120 إلى 1000 درهم من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه ما لم يكن فعله جريمة أشد.
وأشار الرميد في تصريح لـ"إسلام أون لاين.نت" إلى أن المتابعة "لم تكن من العدالة والتنمية وإنما من قبل الدولة، فالمحكمة أصغت لنبض المجتمع واحتجاجهم على المس بالأخلاق العامة، كما أن المجتمع ليس محتاجًا لحزب العدالة ليتحرك نحو مقاومة الفساد".
وعما يكون قرار المحكمة بابًا مفتوحًا أمام الحزب، ذي المرجعية الإسلامية؛ لإدانة كل مظاهر الفساد الأخلاقي، قال الرميد: "إن الفساد الذي يقاومه حزب العدالة والتنمية ليس منحصرًا في الفساد الأخلاقي، بل يتعداه لمقاومة الفساد الاجتماعي والاقتصادي والإداري".
وأشارت جريدة "هسبريس" الإلكترونية الثلاثاء 11-12-2007 إلى أن النيابة العامة حرصت "أثناء سير المحاكمة على التزام الصمت طوال الجلسة على عكس ما هو جارٍ به العمل في القضاء المغربي، حيث يقف وكيل النيابة، أو "المغرق" كما يعرفه المغاربة؛ ليطالب بأقصى العقوبات"، مشيرة إلى أن "الأحكام صدرت قبل بدء المحاكمة، وأن القرار لم يكن بيد القاضي وحده، حيث تم توجيه القضاء إلى حكم لا يثير الساكنة، وفي نفس الوقت لا يغضب القوى التي ضغطت للإفراج عن الشواذ، ومن بينها أطراف أجنبية ووسائل إعلام إسبانية".
ونقلت مصادر إعلامية امتعاض محامي المتهمين، عبد العزيز النويضي، رئيس جمعية عدالة، من المحاكمة بالقول: "لقد أصبحنا نعيش في قندهار..."، في إشارة إلى تحرك الفاعلين الإسلاميين للتنديد بالواقعة.
حرب إعلامية
ومنذ الإعلان عما سُمّي بـ"حفل قران شاذين" بمدينة القصر الكبير يومي 18 و19-11-2007، مثلت الواقعة التي تُعَدّ واحدة من عدة وقائع مماثلة، مادة دسمة للإعلام المغربي؛ إذ تم تخصيص تحقيقات لسرد "القصة الكاملة لحفل الشواذ" أو "فتنة" القصر الكبير، ومتابعة أخبار المحاكمة ورفض محامي المدينة الدفاع عنهم، مما جعل القضية تؤجل لمرتين.
وحاولت منابر إعلامية محلية ذات توجه علماني لبيرالي التقليل من الحدث، بالتأكيد أنه مجرد أكاذيب وإشاعات يستغلها "الإسلاميون لمكاسب سياسية بتهييج الشارع المغربي".
وطالبت بعض الصحف اليسارية أيضًا "باحترام الميول الجنسية للأفراد، ومحاكمتهم أخلاقيًّا، ورفع الظلم الذي لحق أهليهم بترويج هذه الإشاعات والأكاذيب".
ووصفت بعض هذه الصحف الموضوع بأنه "نوع من الاسترزاق السياسي والإعلامي عن أحداث القصر الكبير"، فيما ركزت الصحف ذات التوجهات الإسلامية على صمت العلماء والمجالس العلمية وتقاعسها في التحرك للتنديد بما وقع.
وعما يتردد من استغلال العدالة والتنمية الحدث لجني مكاسب سياسية، يقول الرميد: "المحكمة قضت بما ثبت لها عبر تحرياتها، إلا أنني أسأل هؤلاء أين يتشخص هذا الاستغلال؟ علمًا أن الحزب تجاوب مع الرأي العام؛ ولذا فعلى أصحاب هذا الرأي ألا يرتكبوا هذه الحماقات حتى لا نثور ضدها".
وأردف شارحًا: "فأن نتحرك إذا تحرك المجتمع فنحن فخورون بهذا الاستغلال للحفاظ على قيم المجتمع المغربي".
وسبق لمصطفى الرميد أن وجه رسالة إلى الحكومة يطلب فيها التدخل لزجر هذه المخالفات الأخلاقية؛ بسبب حفل الخمور بمكناس والشواذ بالقصر الكبير؛ لأن "هذا لا يليق أن يسمح به في دولة أمير المؤمنين".
بداية القصة
وبدأت القصة بتنظيم مجموعة من الشواذ "حفل قران" على الطريقة المغربية في حفلات الزفاف تم نقله عبر "يوتيوب" الشهير لمقاطع الفيديو على الإنترنت، مما أجج غضب السكان، وخرجوا في مظاهرات شعبية عقب صلاة الجمعة الموالي للحفل.
وعقب الاحتجاجات والمتابعة الإعلامية المكثفة للحدث، صرّح وزير الداخلية شكيب بنموسى يوم 28-11-2007 أمام أعضاء لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، أن "الأبحاث الأولية بينت ارتباط هذا الحفل بطقوس غارقة في الشعوذة دأب المعنيون بالأمر على ممارستها محليًّا".
وأضاف أن "المنظم، وهو من ذوي السوابق العدلية، كان ينوي تحقيق رؤيا تدعوه إلى ارتداء لباس امرأة وتقديم قربان للولي الصالح "سيدي المظلوم"، ولم يثبت للمصالح المختصة إلى حد الآن واقعة عقد قران بين شواذ، كما تداولت ذلك بعض مكونات الرأي العام المحلي".
وذكر وزير الداخلية أنه "بمجرد علم السلطات المحلية بالحفل الذي حضره عدد من الأشخاص كانوا يرتدون لباسًا أنثويًّا، قامت بإشعار النيابة العامة بالوقائع المتوفرة لديها لالتماس إعطاء تعليماتها لفتح تحقيق حول هذه القضية، وتم اعتقال مجموعة من الأشخاص للتحقيق معهم، وتقديم البعض منهم للعدالة للاشتباه في تورطهم في أفعال مخالفة للقانون.
واعتبرت تحليلات إعلامية أن التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية في الموضوع "رسالة لتوجيه القضاء لاتخاذ أحكام مخففة، وكان عليه الاكتفاء بأن القضية بيد العدالة".
وكانت مجموعة من الهيئات المدنية والسياسية (حزب العدالة والتنمية، والبديل الحضاري، وجماعة العدل والإحسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان)، أرسلت يوم 24-11-2007 شكوى مذيلة بأزيد من ألف توقيع من أبناء المدينة إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية في المدينة ضد المسمى فؤاد فريرط، المعروف بشذوذه ومشاركته في العرس الشاذ.